ينقضي العقد الثاني من القرن العشرين والنظام العربي الرسمي يواجه تحديات استراتيجية خطيرة غير تقليدية، قد تتضاءل أمامها تلك التحديات، التي واكبت ظهور طفرته الثانية، منذ سبعة عقود، بعد تأخر العرب الأخذ بخيار الدولة القومية الحديثة لأكثر من ثلاثة قرون، عن المجتمعات الأوروبية الحديثة.
العربُ، اليوم يواجهون خطراً محدقاً وناجزاً، غير مسبوقٍ، كدول ومجتمعات. دول مُؤَسِسَة للجامعة العربية تضطرم بها صراعات داخلية تتجاوز تلك التي يمكن أن تسببها حروبٌ أهليةٌ تقليدية أخرى رائدة في النظام العربي، كان يُفاخَرُ بسَبْقِها بالخيار الديمقراطي، ليعصفَ بها «سرطان» الطائفية، بنظام محاصصته الرجعي العاجز عن تطويرِ ممارسة سياسيةٍ مستقرةٍ، تعكسُ تعدديةً سياسيةً حقيقية.
تبقى العصبيةُ القبليةُ، وكذا «الأوليجاركية» العسكرية، رغم تخلفها وعدم قدرتها على بناء دول منيعة ومجتمعات مستقرة وممارسة سياسية كفؤ وفعالة، هي الشرعية السياسية الفاعلة السائدة، في كثيرٍ من الدولِ العربيةِ، رغم مظاهرَ الحضارةِ «القشرية»، التي تطفو على السطح، سواء على المستوى السياسي.. أو الاجتماعي، أو الاقتصادي والتنموي. هذا الضعف البنيوي الداخلي للدولة في العالم العربي يفسرُ إلى حدٍ كبيرٍ، هشاشةَ وعدم استقرارِ النظام الإقليمي العربي.
خارجياً: النظام الرسمي العربي واجه تحديات خطيرة منذ إنشائه، وكان أخطرها مشروع قيام وطن قومي لليهود في فلسطين، الذي برر انطلاق نشأته، بل وشكل إرهاصات قيم وحركة مؤسساته. إسرائيل، في حقيقة الأمر، كانت هي الخطر الاستراتيجي الأبرز، الذي استفز نشأة النظام العربي، منذ البداية.. وتظل كذلك، الآن، ومستقبلاً.
تأتي في المرتبة الثانية: عودة القوى الاستعمارية الغربية وتدخلها في الشأن العربي. إن كان النظام العربي نجح في مراحل تطوره الأولى مساعدةَ الكثير من الدول العربية نيل استقلالها، إلا أن بداية الألفية شهدت عودة شرسة للمتغير الخارجي لغزو حِمَى النظام العربي، لتسقط قلاعٌ للنظام العربي ظُن أنها حصينة. سقطت بغداد في يد الأمريكان.. وسُلِمَت حاضرة الأمويين للروس، خاويةً على عروشِها.
بالإضافة إلى عودة المتغير الاستعماري التقليدي، بصورة أكثر شراسة، تطورت في المرحلة الأخيرة أطماع توسعية لقوى إقليمية، تعكس ثارات وموروثات تاريخية، ضد العرب. سقطت أربع عواصم عربية بيد الفرس. هناك فرصة لائحة للترك للتمدد شمال النظام العربي وغربه. يتنامى، أيضاً، جفاءٌ يتطور ضد العرب داخل مجتمعات العالم الإسلامي، وبين مجموعة عدم الانحياز. علينا ألا ننسى، في خضم هذه التطورات الاستراتيجية المستجدة إقليمياً المحدقة بالنظام العربي، الخطر الإسرائيلي الوجودي الواضح والناجز على الأمة العربية، بأسرها.
تطورات استراتيجية محدقة بالأمن القومي العربي، تحتاج لإعادة ترتيب الأوليات، حسب مجموعة القيم القومية، التي أرست دعائم وشكلت شرعية مؤسسات النظام العربي، منذ نشأته.. ومصالحةٌ مخلصةٌ، تعكس مشاركةً حقيقيةً، داخل مجتمعات الدول العربية.. ووعياً راسخاً بخطورة وجود إسرائيل، كأعظمِ خطرٍ إستراتيجيٍ محدقٍ وناجزٍ بالأمنِ القوميِ العربيِ.
* كاتب سعودي
talalbannan@icloud.com
العربُ، اليوم يواجهون خطراً محدقاً وناجزاً، غير مسبوقٍ، كدول ومجتمعات. دول مُؤَسِسَة للجامعة العربية تضطرم بها صراعات داخلية تتجاوز تلك التي يمكن أن تسببها حروبٌ أهليةٌ تقليدية أخرى رائدة في النظام العربي، كان يُفاخَرُ بسَبْقِها بالخيار الديمقراطي، ليعصفَ بها «سرطان» الطائفية، بنظام محاصصته الرجعي العاجز عن تطويرِ ممارسة سياسيةٍ مستقرةٍ، تعكسُ تعدديةً سياسيةً حقيقية.
تبقى العصبيةُ القبليةُ، وكذا «الأوليجاركية» العسكرية، رغم تخلفها وعدم قدرتها على بناء دول منيعة ومجتمعات مستقرة وممارسة سياسية كفؤ وفعالة، هي الشرعية السياسية الفاعلة السائدة، في كثيرٍ من الدولِ العربيةِ، رغم مظاهرَ الحضارةِ «القشرية»، التي تطفو على السطح، سواء على المستوى السياسي.. أو الاجتماعي، أو الاقتصادي والتنموي. هذا الضعف البنيوي الداخلي للدولة في العالم العربي يفسرُ إلى حدٍ كبيرٍ، هشاشةَ وعدم استقرارِ النظام الإقليمي العربي.
خارجياً: النظام الرسمي العربي واجه تحديات خطيرة منذ إنشائه، وكان أخطرها مشروع قيام وطن قومي لليهود في فلسطين، الذي برر انطلاق نشأته، بل وشكل إرهاصات قيم وحركة مؤسساته. إسرائيل، في حقيقة الأمر، كانت هي الخطر الاستراتيجي الأبرز، الذي استفز نشأة النظام العربي، منذ البداية.. وتظل كذلك، الآن، ومستقبلاً.
تأتي في المرتبة الثانية: عودة القوى الاستعمارية الغربية وتدخلها في الشأن العربي. إن كان النظام العربي نجح في مراحل تطوره الأولى مساعدةَ الكثير من الدول العربية نيل استقلالها، إلا أن بداية الألفية شهدت عودة شرسة للمتغير الخارجي لغزو حِمَى النظام العربي، لتسقط قلاعٌ للنظام العربي ظُن أنها حصينة. سقطت بغداد في يد الأمريكان.. وسُلِمَت حاضرة الأمويين للروس، خاويةً على عروشِها.
بالإضافة إلى عودة المتغير الاستعماري التقليدي، بصورة أكثر شراسة، تطورت في المرحلة الأخيرة أطماع توسعية لقوى إقليمية، تعكس ثارات وموروثات تاريخية، ضد العرب. سقطت أربع عواصم عربية بيد الفرس. هناك فرصة لائحة للترك للتمدد شمال النظام العربي وغربه. يتنامى، أيضاً، جفاءٌ يتطور ضد العرب داخل مجتمعات العالم الإسلامي، وبين مجموعة عدم الانحياز. علينا ألا ننسى، في خضم هذه التطورات الاستراتيجية المستجدة إقليمياً المحدقة بالنظام العربي، الخطر الإسرائيلي الوجودي الواضح والناجز على الأمة العربية، بأسرها.
تطورات استراتيجية محدقة بالأمن القومي العربي، تحتاج لإعادة ترتيب الأوليات، حسب مجموعة القيم القومية، التي أرست دعائم وشكلت شرعية مؤسسات النظام العربي، منذ نشأته.. ومصالحةٌ مخلصةٌ، تعكس مشاركةً حقيقيةً، داخل مجتمعات الدول العربية.. ووعياً راسخاً بخطورة وجود إسرائيل، كأعظمِ خطرٍ إستراتيجيٍ محدقٍ وناجزٍ بالأمنِ القوميِ العربيِ.
* كاتب سعودي
talalbannan@icloud.com